في تلك الفترة كانت تصل الجنوب أنباء انتصارات الأشقاء
الليبيين على الطليان، فتثير الحمية، وتبعث النخوة، وتؤجج مشاعر التعلق
بالكرامة. وبلغت أخبار المواقف البطولية لقادة المقاومة الطرابلسية مسامع
الدغباجي، وخاصة منهم خليفة بن عسكر النالوتي. فتحركت فيه مشاعر الرجولة،
وبدأ يفكر في الفرار من الجندية، في الوقت الذي كانت فيه فرنسا مشغولة
بالحرب العالمية الأولى. لم يتردد الدغباجي طويلا، إذ فر من المعسكر
الفرنسي بذهيبة في تطاوين)، والتحق بصفوف المقاومة مع خمسة من رفاقه. شارك
في بداية نشاطه في مهاجمة الحصون الفرنسية بالحدود كجندي بسيط، لكنه اشتهر
بإقدامه، وبحسن رمايته، فنال حظوة خاصة عند قائده النالوتي. بيد أن
بطولاته لم تتأكد إلا بداية من سنة 1918. صمّم الشاب الدغباجي على كيل
الصاع صاعين للمستعمر الفرنسي، فكوّن مجموعة فدائية عادت خلسة عبر التراب
الليبي. وتناه إلى مسامع الفرنسيين أخبار الدغباجي، فعزموا على مطاردته،
والمطالبة برأسه، خاصة بعد حادثة "الزلوزة" (01/01/1920)، التي قتل فيها
عدد من أعضاء الديوانة الفرنسيين. وقد أشبع المستعمرون بني زيد وأهالي
الدغباجي ألوانا من التنكيل الانتقامي، حيث عمدوا إلى ردم الآبار والمواجل
لقطع الماء عن المقاومين، ونقلوا الأهالي مع حيواناتهم إلى الحامة. فوضعوا
الرجال في السجون، والنساء في محتشد خاص. وأجبر السكان على حمل السلاح
لمطاردة المقاومين، بقيادة العميل المسمى "عماربن عبد الله بن سعيد"، الذي
وعدته السلطات الاستعمارية بمنصب خليفة الحامة.