وقد حاول هذ العميل استدراج الدغباجي، ولكنه تفطن
للمكيدة فبعث له رسالة بتاريخ (16/02/1920) يقول فيها "أنتم تطلبون منا
الرجوع إلى ديارنا لكن ألسنا في دريارنا؟ إنه لم يطردنا منها أحد، فحركتنا
تمتد من فاس إلى مصراتة، وليس هناك أحد يستطيع إيقافنا.. ونقسم على أننا
لو لم نكن ننتظر ساعة الخلاص لأحرقنا كل شيء، والسلام من كل جنود الجهاد".
وتثبت هذه الرسالة الأبعاد، التي كانت تعبئ الدغباجي وأمثاله بروح
المقاومة، وهي الأبعاد الوحدوية والجهادية الرافضة للاستغلال والظلم،
وتعبر عن روح التحدي لقوة الاستعمار وبطشه. وقد نجح الدغباجي فعلا في
إشعال معارك عديدة في الجنوب التونسي أهمها معركة "خنقة عيشة"،
و"المحفورة"، وواقعة "المغذية" من ولاية صفاقس، والتي واجه فيها وهو في
قلة من رفاقه قوات المستعمر تعد حوالي 300 نفرا، ونجا خلالها بمساعدة بني
عمّه، مما جعل السلطة الاستعمارية تسلّط ضدّهم عقابا شديدا. وكذلك واقعة
"الجلبانية"، التي كاد يسقط أثناءها ثانية بين أيدي القوات الاستعمارية
وهو جريح. تمت محاكمة الدغباجي غيابيا يوم 27/04/1921 والقضاء بإعدامه مع
جمع من رفاقه، الذين التحقوا بالتراب الليبي، ولكن الطليان لم يتأخروا في
القبض عليهم وتسليمهم للسلطات الفرنسية. وفي غرّة مارس 1924 اقتيد البطل
إلى ساحة سوق البلدة حيث أعدم. ويروى أنه رفض العصابة، التي تقدم بها نحوه
ضابط فرنسي ليضعها على عينيه، رفضها ساخرا من الموت. ويروى أن زوجة أبيه
زغردت لهذا المشهد، وهتفت عاليا، مباركة شجاعته والشرف الذي نالها منه،
وأنه أجابها وهو يبتسم "لا تخشي علي يا أمي فإني لا أخاف رصاص الأعداء،
ولا أجزع من الموت في سبيل عزّة وطني".. وهكذا بقيت قصّة الدغباجي شفوية
تتردد على الألسن، ومنها قول المغنين: الخمسة اللّي لحقوا بالجُرة وملك
المـــــوت يراجي لحقوا مولى العركة المـرة المشهـــــور الدغباجي